abdssalam 14 فيزيائي نشط
عدد الرسائل : 57 العمر : 32 الموقع : abdssalam14.ibda3.org السٌّمعَة : 0 نقاط : 5597 تاريخ التسجيل : 29/04/2009
| موضوع: رصد الطقس من abdssalam 14 الأربعاء أبريل 29, 2009 3:34 pm | |
| معرفة الطقس حاجة موغلة في القدم. ذلك أن الإنسان الأول كان أشد تعرضاً لبطش الطبيعة منه الآن، لقلة الوسائل التي كانت في حوزته، وعدم قدرتها على حمايته، مثلما يحتمي اليوم. ففي العصور التي كان فيها الإنسان صياداً، كان لا بد من أن يعرف الطقس حتى يخرج الى البر أو البحر بحثاً عن الطعام. وحين صار مزارعاً صارت هذه الحاجة أشد، لأن معرفة الطقس كانت ضرورية لحماية الإنسان، ومعرفة مصير زرعه المرهون بالماء والشتاء والفيضان وما الى ذلك من عوامل تتأثر مباشرة بالطقس. ولم يكن المصريون القدامى بحاجة لرصد الجو من أجل تجارتهم البحرية مع الدولة البابلية، عبر البحر الأبيض المتوسط، أو مع بحر العرب والخليج، عبر البحر الأحمر، فقط، بل أيضاً لأن نهر النيل كان يفيض فيضانه السنوي في آب وأيلول، ليعيد الى الدورة الزراعية حياتها من جديد بعد جفاف الصيف. وإذا استثنينا وسائل قياس ارتفاع نهر النيل التي استخدمها الفراعنة باكراً، ومنها "المنْيَل"، وهو جدار منحوت، تبدو عليه درجات قياس ارتفاع النهر، والنصوص التي تتناول الموضوع في الكتابات المسمارية، في دولتي سومر وبابل، قبل أكثر من 4000 سنة، فإن أقدم الكتابات الباقية الى اليوم في موضوع الرصد الجوي، أو رصد الطقس، هو كتاب "ميتيورولوجيكا"، الذي وضعه الفيلسوف اليوناني أرسطو سنة 340 قبل المسيح. وكلمة "ميتيور" اليونانية، تعني "الشهاب"، وهو الجسم الفضائي الذي يدخل جو الأرض فيحترق. لكنها تعني أيضاً الظاهرة الجوية، من مطر وبرق ورعد وغيم، وما الى ذلك، لأن بعض علماء القدامى كانوا يدرجون الأمرين في علم واحد، على أساس أن الشهب والمطر والثلج وغيرها، إنما هي أجسام تسقط "من الهواء". كان كتاب أرسطو هذا مليئاً بالأخطاء العلمية. غير أن العلوم الأوروبية لم تكشف هذه الأخطاء الا في القرن السابع عشر. وفي إمكاننا أن نقول إن علم الرصد الجوي الحديث نشأ في أواخر القرن الميلادي السادس عشر، ولذا بدأ الباحثون يتطلعون الى أدوات لقياس عناصر الطقس الأساسية، الحرارة والرطوبة والضغط الجوي، وغيرها. وكان أول المخترعات في هذا المرطاب، الآلة التي تقيس نسبة الرطوبة في الجو. ذلك أن العناصر الأخرى أظهر للعيان من بخار الماء غير المنظور. وقد اخترع المرطاب عالم الرياضيات الألماني الكاردينال نيكولاس دي كوزا سنة 1450. أما ثاني المخترعات الأساسية في تاريخ تطور علم الرصد الجوي، فكان ميزان الحرارة الذي نسب اختراعه للعالم غاليليو غاليليي سنة 1593، مع أن تاريخ الاختراع غير معروف بالضبط. وأخذت هذه المخترعات تتطور، لا سيما في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حين اخترع غبريال دانييل فارنهايت سنة 1714 ميزان حرارة بالزئبق، وهو أول ميزان حرارة يستطيع أن يقيس حرارة دون درجة تجمد الماء. وقد وضع فارنهايت سلماً لقياس الحرارة عرف باسمه، درجة التجمد فيه هي 32 درجة، أما درجة غليان الماء فهي 212 درجة. وتبعه الفلكي السويدي اندرس سلزيوس سنة 1742 بميزان حرارة على مقياس آخر مئوي، يجعل المئة درجة تجمد الماء، والصفر درجة غليانه. وقد تفوق هذا المقياس على فارنهايت لسهولة استخدامه في الحساب. وقد قُلب المقياس رأساً على عقب في السنة التالية حين جعل جان بيار كريستان الفرنسي الصفر درجة للتجمد و100 لغليان الماء. ولما كانت المياه عنصراً أساسياً في الطقس، فإن هذا المقياس استطاع أن يثبت في الاستعمال الى يومنا هذا، على الرغم من محاولات عديدة لوضع مقياس حرارة مطلق، لا يلتزم محطات التجمد والذوبان في أي عنصر من عناصر الطبيعة. وأما ميزان الضغط الجوي المسمى باللغات الأوروبية "البارومتر"، من كلمة بارو اللاتينية التي تعني الثقل أو الضغط، فينسب الى الإيطالي إفانجلستا توريتشلي، وهو عالم رياضيات كان تلميذاً لغاليليو. وقد صنع مع تلميذ له اسمه فنتشنزو فيفياني أنبوباً فراغياً ملوياً يتقابل في فرعيه للتوازن، الضغط الجوي من جهة والزئبق من جهة أخرى، فتظهر قوة الضغط الجوي على مسطرة مرقمة. وقد طورت هذه الأدوات في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لاسيما عند إنشاء النظام المتري، في عهد نابليون بونابرت الأول، إمبراطور فرنسا. لكن اختراع اللاسلكي سنة 1843، مكن راصدي الجو من التخابر لتوسيع النظر الى الظواهر المناخية، وتكوين فكرة أوضح وأشمل عن مناطق واسعة مستمدة من محطات مراقبة موزعة في رقعة جغرافية ما. وبهذا أمكن وضع خرائط الطقس الأولى، وصارت أنماط اتجاه الرياح في مواسم معينة تجمع في المحفوظات وتدرس شيئاً فشيئاً، وكذلك مواقع نشوء العواصف والأعاصير. القرن العشرون وفي القرن العشرين أخذت تنتشر محطات الرصد على نطاق عالمي، بمصائد الهواء التي تميزها، والتي تنبئ عن اتجاه الريح وقوتها. وفي اربعينيات القرن الماضي، صار قياس تبدل الجو في طبقاته العليا ممكناً، بواسطة وسائل التحليق والطيران، ولا سيما المناطيد، التي تترك في الأعالي وهي تحمل أدوات قياس الرطوبة والحرارة والضغط، وأدوات الاتصال اللاسلكي التي ترسل هذه المعلومات الى محطة رئيسية على الأرض. وكان اتجاه المناطيد وحده، تدفعها الريح، مفيداً للتكهن بأحوال الطقس. ومع اختراع الحواسيب في الخمسينيات، أمكن تسريع الحساب تسريعاً هائلاً، فوضعت هذه الإمكانات في خدمة تطوير معادلات الطقس واستطاع الراصدون أن يحلوا مشكلات كثيرة كان حلها متعذراً بالسرعة المطلوبة بالوسائل اليدوية والحساب البشري. وصار الحاسوب يتنبأ باحتمالات تطور الطقس بناء على بيانات إحصائية مخزونة من السنوات السالفة. واستخدم الحاسوب كذلك في التحليل وفي وضع خرائط تجمع عناصرها من محطات ومراصد متعددة، تعد بالألوف في كل أرجاء الكرة الأرضية. ولم يكن الرادار قليل شأن في هذا. وقد استخدم في رصد الطقس في الخمسينيات. وأطلق الاتحاد السوفياتي "سبوتنيك"، أول قمر اصطناعي صنعه الإنسان يدور حول الأرض، في 4 تشرين الأول 1957. وكان يدور دورة كاملة حول كوكبنا كل 96 دقيقة. وسرعان ما لحقت الولايات المتحدة بالسوفيات، فأطلقت في أول نيسان 1960 القمر الاصطناعي الأول لرصد الطقس، وهو "تيروس ـ 1"، وكان أول سلسلة ضمت 50 قمراً اصطناعياً لمراقبة المناخ على الكرة الأرضية. وكان عصر الفضاء عصراً زاهراً للأرصاد، لأن أدوات المراقبة التي كانت تنظر الى الأرض من دون أي عائق طبيعي، استطاعت أن تنقل الى الحواسيب على الأرض كل المعلومات اللازمة عن جبهات الكتل الهوائية وحرارتها والأعاصير الاستوائية والعواصف الصحراوية وغير ذلك من عناصر تجعل الرصد الجوي اليوم علماً أقرب الى اليقين مما كان قبل قرن، على نحو مذهل. | |
|